متطلبات نجاح تطوير
المناهج
هناك بعض المتطلبات اللازمة لنجاح عملية تطوير المنهج ، ومن هذه
المتطلبات ما يلي
:
(1) الرغبة
الصادقة في التطوير :
ويقصد بالرغبة الصادقة القيام بتطوير
المنهج لأجل تطوير المنهج والانتفاع بمردوده ، فقد تطلق صيحات للتطوير ، وقد تبذل
جهود ،
ولكن قد يكون وراء تلك الصيحات والجهود أغراض ومكاسب سياسية أو
اجتماعية
أو مادية ، إن عدم وجود رغبة صادقة وحقيقية هو أخطر ما يواجه أية
محاولة
من محاولات التطوير ، حيث عن اختفاء أهداف خاصة وراء عملية التطوير
يدفع
بالقائمين عليه إلى تلوينه بما يخدم أهدافهم ،ومن ثم يخرج التطوير والقائمون عليه من دائرة
الموضوعية ، ومن هنا ينشب صراع المصالح ، ولهذا السبب ينبغي أن تتوافر لدى المهتمين بتطوير المنهج رغبة صادقة في
التطوير
لتحقيق أهدافه
.
(2) المبادأة
أو المبادرة
:
فعلى المهتمين بتطوير المنهج أن يبادروا بالقيام بخطوات إجرائية فعلية لتطوير
المنهج ، فما أكثر أن نسمع صيحات وانتقادات للمنهج ، لكن الكل ينتظر الآخر أن يبدأ ، لذا لابد أن تكون هناك جماعة صادقة
النية
، تأخذ بزمام المبادأة والمبادرة لتطوير
المنهج.
(3) دعم
الجهد التربوي بجهد سياسي :
إن عملية تطوير التعليم بصفة عامة ، وتطوير المناهج على وجه التخصيص يجب أن تأتي
ضمن إصلاح وتطوير شاملين لكثير من الجوانب في المجتمع ، فمن العسير أن نحصل على مناهج متطورة والمجتمع يعاني
المشكلات
الاجتماعية ، والتفسخ القيمي والسلوكي .. ومن الصعب أن يكون هناك
تطوير
تربوي والأزمات الاقتصادية تعصف بالبلاد ، ولا يمكن أن يكون هناك
تطوير
تربوي دون وجود حرية فكرية .
إن تطوير المناهج يأتي ضمن رزمة من التطوير في شتى مجالات الحياة ، وذلك لأن
النظام التعليمي لا يعيش بمعزل عن مؤسسات المجتمع الأخرى ، بل يتفاعل معها سلباً أو إيجاباً ، إن مجتمعاتنا
تعودت
ألا تفعل شيئاً إلا إذا كان وراءه دعم سياسي ، أي أن يقف صاحب
القرار
السياسي لينادي به ، وإذ حدث ذلك نادى به كل من هم حوله ، فإذا كان
الأمر
كذلك ، فلابد أن يرفع شعار على أعلى المستويات بأن تطوير المناهج
"قضية
وطنية مصيرية" ، وتأسيساً على ذلك .. فمن الضروري دعم الجهد
التربوي بجهد
سياسي على أعلى المستويات ، حتى تحصل التربية على الأهمية التي
تستحق .
(4) اختيار
الأشخاص القادرين على التطوير
:
إذا صدر القرار السياسي ، ينبغي بذل الجهود اللازمة للقيام بالتطوير الفعلي ..
وأول ما تتطلبه هذه العملية هو اختيار الأشخاص القادرين على التطوير ، فليس كل مرب أو مسئول في التربية قادراً
على
القيام بعملية التطوير ، كما أن هناك من الأشخاص المسئولية من يتصف تفكيرهم بصفات مضادة
للتطوير التربوي ، لذا ينبغي إقناعهم ، فإن لم نستطع فينبغي استبعادهم من عملية التطوير .
(5) رصد الميزانيات اللازمة لعملية التطوير :
يجب توفير الميزانيات اللازمة للقيام بعملية التطوير ، فالتطوير يتطلب نفقات
طائلة ، وإذا لم تكن القيادات التي تتخذ مقتنعة بأهمية التربية ، وبأهمية العمل الدائم على تطويرها ، اقتناعاً
يدعوها إلى
رصد الميزانيات المناسبة ، والعطاء بسخاء ، ووضع التعليم في مكانه
اللائق
بين مشروعات الاستثمار ، فإن ذلك يكون من أكبر معوقات التطوير .
جوانب تطوير المنهج :
النظام التعليمي هو جسم واحد له مجموعة أعضاء ، وترتبط سلام هذا الجسم بسلامة
جميع أعضائه دون استثناء ، وأي خلل في أي عضو من أعضائه سيؤثر في الأعضاء الأخرى ، ولما كان المنهج ، هو أحد أعضاء
النظام
التعليمي ، لذا فحينما نسعى إلى تطوير المنهج ينبغي أن نطور جميع
الجوانب
التي لها تأثير مباشر أو غير مباشر في ذلك المنهج ، ومن هذه
الجوانب :
- 1 سياسة
النظام التعليمي وفلسفته .
-2الإدارة
التربوية .
-3 المقررات
الدراسية والأنشطة التربوية .
4- المعلم
-5
أساليب تقويم النظام التعليمي .
-6المباني
المدرسية .
وفيما شرح موجز لكل جانب من جوانب التطوير المذكورة .
(1) سياسة
النظام التعليمي وفلسفته :
فالنظام التعليمي الذي بنى سياسته وفلسفته بالأمس على أساس مسلمة الاستقرار أو
التطور البطيء جداً ، أصبح اليوم غير ملائم لظروف ومتطلبات المجتمع المعاصر ، الذي تسارع النمو فيه بشكل غير متناسق
في كافة
مجالات الحياة
.
وأمام متطلبات المجتمع المعاصر سيتضخم عدد المنبوذين عن هذا المجتمع ، وإذا ظلت
فلسفة النظام التعليمي كما كانت عليه سابقاً دون تطوير ، فسيصبح أبناء المجتمع غير قادرين على تأدية الأدوار
الجديدة التي
يحددها لهم عالم له مميزات وخصائص جديدة.
لذا يجب أن نسعى إلى توجيه سياسة النظام التعليمي وفلسفته نحو آفاق المستقبل
، فنحن في حاجة إلى نظام تعليمي تقوم فلسفته على مبدأ تربية الأفراد للمستقبل ، إذ إننا في حاجة إلى وضع سياسة
لتحقيق
التربية المستمرة وممارستها بعيداً عن عالم الخيال .
(2) الإدارة
التربوية :
تلعب الإدارة التربوية – بمستوياتها المختلفة – دوراً مهماً ومؤثراً في دفع
النظام التعليمي وتطويره ، فنجاح العمل التربوي مرتبط بفاعلية الإدارة وفلسفتها ، من ناحية توجهها للتطوير ، أو
اكتفائها
بتسيير العمل التربوي .
وتشير دراسات عدة إلى أن فشل الإدارة التربوية في عالمنا العربي في تحقيق
أهدافها وتجسيد سياساتها ربما لا يكون مرجعه فشل تلك الأهداف أو برمجة السياسات ، بل قد يكون راجعاً إلى خلل في
التخطيط
التربوي ، فالتخطيط عملية ضرورية ، وهو أساس العملية الإدارية ،
فهو يساعد
على تحديد الأهداف ، وتوضيحها ، ويبين مراحل العمل ، ويتضمن
تطويراً
مستمراً في الأداء والتنفيذ .
ولهذا يرى البعض أن الإدارة التربوية من دون التخطيط التربوي عمياء ، وأن
التخطيط التربوي من دون الإدارة مقعد عاجز ، إن هذا الأمر يوضح بجلاء العلاقة المتبادلة بين الإدارة التربوية والتخطيط
، حيث
إن التخطيط التربوي السليم لا يمكن أن يأتي إلا من خلال إدارة
تربوية
سليمة واعية .. وبتعبير آخر ، يعد سوء الإدارة – هيكلاً، وتنظيماً
– من
أهم معوقات التخطيط ، وعلى الطرف الآخر لا يمكن للإدارة – مهما
كانت منظمة
وسليمة – أن تعمل وتنتج إذا لم يكن سيرها وفق تخطيط جيد .
ولعل هذا يدفعنا لتأكيد ضرورة تطوير الإدارة التربوية ، كي تسهم
بفاعلية في تطوير النظام التعليمي .
(3) المقررات
الدراسية والأنشطة التربوية :
فالمقررات الدراسية والأنشطة التربوية أكثر الجوانب عرضة للهجوم في كثير من
الأحيان ، وذلك لسبب معروف ، وهو أنها الشيء الوحيد الملموس من العملية التربوية ، فهي تتصل مباشرة بالدارس ،
ولهذا
السبب فإن تطوير النظام التعليمي دون تطوير في المقررات والأنشطة
عمل غير
تربوي ولا يحقق أهداف التطوير ، وقد يغالي البعض ويعتبر أن تطوير
المقررات
الدراسية والأنشطة التربوية هو الوجه الآخر لعملية تطوير النظام
التعليمي .
ولهذا ، فإن الأمر يحتاج إلى جهود مخلصة لتطوير المقررات والأنشطة
وأن تبنى هذه الجهود في ضوء الاتجاهات العالمية المعاصرة .
(4) المعلم
يُعد المعلم احد أركان الرئيسية في العملية التعليمية ،
فعلى الرغم من كل التطورات العلمية والتكنولوجية التي نعيشها ، فإن المعلم لا يزال هو السبيل
إلى نجاح عملية تنفيذ المنهج ، فهو العنصر البشري المدير والمحرك للعمليات التنفيذية ، ومن بينها عملية
التدريس
ذاتها
.
فالمعلم يتعامل مباشرة مع الدارسين والخبرات المتاحة لهم ، ومن خلال ذلك يرى –
من قرب – مدى ملاءمة المادة العلمية والخبرات المتاحة للدارسين .. وغير ذلك من الأمور التي يمكن أن نتبين منها
مدى
صلاحية المنهج
.
وهذا الدور للمعلم غاية في الخطورة ، فهو مطالب بالملاحظة والمناقشة
والتسجيل والتساؤل والدراسة واتخاذ القرارات بشأن المنهج المنفذ ، كما أنه مطالب بالتعمق والتحليل والكشف والمراقبة
والتأكد
، ليستطيع أن يجيب عن كثير من الأسئلة حول
ذلك المنهج ، مثل : أيناسب المنهج جميع الدارسين ؟ أم أنه يناسب بعضهم ؟ وهل الخبرات الواردة
به تراعي الفروق
الفردية بين الدارسين ؟ .. وهل خبرات المنهج تراعي الفئات الخاصة ؟ مثل هذه الأسئلة
وغيرها لكي يجيب عنها المعلم بدقة ووضوح يحتاج إلى إتقان ومهارات إعداد الاستبانات والاختبارات وبطاقات الملاحظة
… الخ ،
حتى يستطيع رصد الظواهر وتحليلها ، والكشف عن إيجابياتها وسلبياتها
، وتكوين صورة
شاملة وحقيقية عن المنهج ومدى نجاحه .
من هذه الأدوار للمعلم وغيرها نلمس مدى أهميته ، وعليه فإن أي تطوير للنظام
التعليمي لابد أن يشمله من أجل مشاركة أكثر فاعلية من جانبه
.
ولأهمية دور المعلم ، تحرض الدول المتقدمة على تطوير أداء المربي بأساليب
متعددة ، ومن أهم المظاهر التي تؤكد ذلك ظهور الاتجاه نحو تطوير "أداء المعلم" بدلاً من "تدريب المعلم"
.. وذلك منذ السبعينيات من القرن العشرين ، والفرق بين الاتجاهين واضح ، فبينما يستهدف
تدريب
المربي إعطاءه ما يحتاج إليه للقيام بمهمته ، فإن "تطوير أداء
المعلم" يهدف إلى السعي
– دائماً – إلى ترقية أداء المعلم وتنميته حسب الاتجاهات الحديثة وما توصلت إليه النظريات التربوية والبحوث الحديثة ، حتى
لو كان
قادراً على تأدية مهامه ، لذا وجنا كثيراً من الدول المتقدمة
تتعامل مع
مؤهلات المربي تعاملها مع المعلبات !! بمعنى أنها تعترف بصلاحية
المؤهل من
أجل مسمى ومحدد ، وعلى صاحب المؤهل في الفترة الواقعة بين الحصول
على
المؤهل وانتهاء صلاحيته – أن يحدث معارفه ومهاراته عن طريق التعلم
الذاتي
، حيث يجرى له اختبار في نهاية هذه الفترة ،
فإما أن يجتاز الاختبار فيستمر في عمله ، وإما أن يفشل فيحال بينه وبين العمل لعدم صلاحيته
، وهذا
كله بهدف إلزامه بتحديث معارفه وتطوير أدائه .
(5) أساليب
تقويم النظام التعليمي :
يمثل تقويم النظام التعليمي البداية الصحيحة والحقيقية لأي جهد تطويري ، فالتقويم
يكشف للقائمين على التعليم عن جوانب القوة والضعف فيه ، فمن خلال تقويم النظام التعليمي يمكن تعرف قدرة هذا
النظام
على
:
- أن يكون ميداناً لصناعة الفرد ، أي القدرة على إعداد الفرد بشكل
يمكنه من القيام بدور فاعل في تلبية حاجات المجتمع .
- مراعاة ظروف التغيرات التي يمر بها المجتمع ، نتيجة الاتصال بالمجتمعات الأخرى
، ومن جهة أخرى .. مراعاة متطلبات أفراده (خصوصية المجتمع)
.
- عرض الصراعات العالمية المحيطة بالمجتمع ، مثل الصراعات الدينية
الإقليمية ، والعرقية ، والفلسفية ، وتناولها بالدراسة الموضوعية لتضيء للناشئة معالم الطريق .
هذه الغايات وغيرها من جوانب تقويم النظام التعليمي ، تتطلب استخدام أساليب قياس
وتقويم موضوعية ، يمكن من خلالها الاطمئنان إلى صحة ما نتصل إليه من نتائج عملية التقويم ، وهذا ما يدفعنا إلى
تأكيد
أهمية تطوير أساليب التقويم حينما نفكر في تطوير هذا النظام ،
فمفتاح
تطوير المنهج هو تطوير أساليب التقويم ووسائله ، والدليل على ذلك
أن محاولات
التطوير تضيع سدى في ظل تركيز الامتحانات على الجانب المعرفي فقط وخاصة الحفظ ، فحرص المربي
وأولياء الأمور على إحراز الدارس نجاحاً في الامتحان يجعل الجميع يركزون فقط على الحفظ ، ومن ثم تضيع ثمرات
التطوير ،
أو يهدر منها الكثير .
(6) المباني
المدرسية :
المباني المدرسية عنصر أساسي من عناصر النظام التعليمي ،
فهي تلعب دوراً كبيراً في العملية التعليمية بكافة أبعادها ، فإذا تم تطوير المباني المدرسية
وتجهيزها وفقاً للمواصفات الهندسية والصحية والتعليمية المناسبة ، ووفقاً لمتطلبات الفرد والمجتمع المستقبلية
، فإن
ذلك يسهم – في حد ذاته – في تحقيق أهداف المنهج المطور ، وإذا حدث
خلل أو
نقص في تحقيق هذه المواصفات ، فإن ذلك ينعكس على المنهج بطريقة
واضحة .
لذا ينبغي مراجعة المباني المدرسية ، وتحديد ما يصلح منها للعملية التعليمية ،
وتطويرها ، وتجهيزها بأحدث الأجهزة والآلات والمعدات اللازمة في الفصول والمعامل والملاعب … إلخ .